حديث الاحد
منصور خالد والقديسة السودانية
الاب القمص فيلو ثاوس فرج
ذكرى محجوب: في عام 2001م اقيمت احتفالية في مركز جامعة كمبردج بمرور ربع قرن على رحيل الزعيم المرموق.. والمهندس الجسور.. والمحامي الجرئ.. والشاعر الثائر محمد أحمد محجوب، وفي تلك الذكرى المجيدة كان حديث منصور خالد ذلك الذي وكما كتب عنه مكي ابو قرجة متميزاً عن اقرانه من السياسيين السودانيين بعمق الرؤية وفخامة الاسلوب الذي يأسر قارئيه متفقين معه ام مختلفين.. وله كتب قيمة وعظيمة مثل حوار مع الصفوة.. والنخبة السودانية وادمان الفشل.. وقد التقيت به وسعدت بما يقدم من ادب رفيع واسلوب بليغ وثروة ثقافية لا تضاهى، وتوغل في المعرفة وابداع بما يكتب من جديد.. وهو الآن على القمة في وطن القمة مستشاراً لرئاسة الجمهورية مشاركاً في قضايا الوطن وقضايا الحوار، وكلما كانت له الفرصة ان يتكلم اتى ما يؤكد ثقافته الانسانية واعتزازه بتاريخ السودان، ولهذا فهو عندما تحدث في مناسبة ربع قرن على رحيل محجوب تحدث عن تاريخ السودان..
ن
وعن الخلفية المسيحية لتاريخ بلادنا التي امتدت في عمر الوطن الى اكثر من عشرة قرون من الامجاد الروحية، والتي فيها اعتز الانسان بانسانيته.. واعتز السوداني ببلاده وملك ناصية الحوار الروحي، حتى كان ملوك النوبة المسيحيين يتبنون اخلاقاً سامية رفيعة في التواضع الجم والادب الرفيع والسمو الروحي، وقد رسم الملوك في حماية الله وفي حماية القديسين والملائكة النورانيين.. وهذه المرحلة المسيحية قل الكلام عنها، ولكن منصور خالد وفي كلمته الممتازة تحدث عن الحضارة النوبية المسيحية في تاريخنا المجيد، ملقياً الضوء على ثروتنا الروحية.
ن
وأشار في حديثه الى تجربة اسطورية لامرأة سودانية جنوبية خاملة الذكر تدعى جوزفينا بخيت، عاشت كرقيق في اواخر القرن التاسع عشر وجيئ بها الى الخرطوم بعد ان تعرضت لعذابات مريرة على ايدي تجار الرقيق، وكان خلاصها على يد القنصل الايطالي العام في زمن الدولة التركية السابقة الذي اخذها معه الى ايطاليا، حيث نمت هناك معموديتها وصارت مسيحية وسميت جوزفينا، الا انها اصرت على الاحتفاظ باسم بخيتة فخراً واعتزازاً بسوادنيتها، وانضمت الى مجموعة راهبات «اخوات كانو سيان» واصبحت معروفة باسم الاخت السوداء.. كما كان القديس النوبي موسى في القرن الرابع معروفاً باسم موسى الاسود.. القديسة السودانية: ان هذه القديسة وكما ذكر عنها منصور خالد، اتت باعمال انسانية اثارت الاعجاب حين انبرت لحماية سكان سيتو خلال عمليات القصف، وهكذا الرهبان والراهبات والمبشرون والمبشرات يقدمون الحماية والرعاية لكل من يحتاج اليها.
ن
وهنا اذكر المطران كمبوني الذي نال لقب اب السودان، والذي اعطاه اللقب هو شعب السودان، لانه كان بطلاً للانقاذ الروحي والجسدي في درء آثار الفيضان الجارف الذي كان عام 1879م والذي نكب فيه كثيرون، ولكنه لم يقف مكتوف الايدى، بل سافر الى بلاده، وجاء عائداً بالكثير من المساعدات الانسانية لمنكوبي الفيضان، ولذلك لقب بانه «اب السودان» ويعد كمبوني اول اختصاصي اجتماعي في السودان، ساعد أهل السودان على الاكتفاء الذاتي بالزراعة لتأمين حياة الناس، وهو ما يعرف الآن بالعون الذاتي، وقد بدأ بهذا في الابيض وجبال النوبة وبربر والقضارف وبعض بلدان الجنوب، وقد انتقل كمبوني الى امجاد السماء مريضاً بمرض الحمى ومريضاً بحب السودان والسودانيين الذين احبهم ومات في وسطهم ودفن في حديقة الكنيسة الكاثوليكية التي كانت في موقع رئاسة مجلس الوزراء الآن، وكان هذا في العاشر من الشهر العاشر لعام 1881م..
ن
اما القديسة بخيتة فقد طوبها البابا في عام 1992م، وجعلتها الكنيسة قديسة مع مصاف القديسات، لتنضم مع نفر قليل من الكاثوليك السود الحبة السوداء، وقد ابتهج العالم كله بها ما عدا السودان كما قال منصور خالد، حيث تجاهل الاعلام الحكومي نبأ اختيارها قديسة. وكان هذا بعد خمسين عاماً من رقادها في الرب واصرارها على اسمها السوداني الذي يعني الطوباية وهم اسم مشتق من مكاديوس.. ومكي ومقارة.. وماكرنيا.. ويعني صاحب الحظ السعيد، وهي صاحبة حظ سعيد ليس معنا كلنا في السودان، انما مع الدكتور منصور خالد صاحب الفكر الواسع والقلب الكبير الذي يعيش الآن سعيداً في وطنه.
ن
رجوع
|