من القلب
سودانيو الزقازيق .. أجدع ناس !! ن

أسماء الحسينى

يبدو أن التواصل الوجدانى بين الناس يستمد احيانا قوته من المناخ الذى يعيشون فيه ويتأثرون به....وربما كان هذا هو حال الطلاب السودانيين الذين تدفقوا على مدينة الزقازيق عاصمة محافظة الشرقية منذ عام 1975 حينما تم تأسيس جامعة الزقازيق التى استوعبت آنذاك أعدادا كبيرة من الطلاب السودانيين ،الذين تخرجوا منها وتفرقت بهم سبل الحياة لكنهم لم ينسوا أبدا هذه الرابطة القوية التى جمعتهم يوما مافى رحاب الزقازيق ،وعادوا اليوم بعد كل هذه السنوات الطويلة ليعلنوا تأسيس الجمعية السودانية لخريجى الزقازيق . ن

وقد تأسست هذه الجمعية مؤخرا فى السودان بعد الحصول على الموافقة الرسمية وأصبح لها موقعا على الانترنت هو:ن
www.Zagazigab.net ن
وقد أطلقوا على موقعهم اسم" زقازيقاب" وكأنهم قبيلة أو ر ابطة ،وقد جاء تأسيس الجمعية بعد حوارات ونقاشات امتدت لأشهر بين السودانيين من خريجى الزقازيق فى منبر موقع سودانيز أون لاين تحت عنوان "ناس الزقازيق ...أجدع ناس"،وقد استقر خلالها الرأى على تأسيس تلك الجمعية. ن

وقد تابعت بشىء من الدهشة والإعجاب الحوارات التى دارت بين سودانيى الزقازيق ،وهالنى حجم المشاعر الجياشة والعواطف المتدفقة وعجبت لكم الذكريات الحميمة التى تربطهم والمواقف الطريفة التى تتوالى على خواطرهم طازجة مفعمة بالحياة وكأنها حدثت لتوها أوكأنهم لم يفارقوا بعضهم البتة ،ودهشت لحجم المشاعر التى يحملونها لأبناء وشوارع وأزقة بل وحوانيت الزقازيق تلك المدينة الريفية التى ليس فيها ظاهريا شيئا يدهش أو يجذب أويستدعى كل تلك المحبة التى يحملها هؤلاء السودانيون من خريجى الزقازيق ،خاصة إذا ما قورنت بغيرها من المدن المصرية. ن

عجبت من ذلك رغم أنى أدرك تماما حجم المكون العاطفى فى الشخصية السودانية الذى يصبغ الأشياء التى يحبها بألوانه الخاصة فيكسبها الروعة والجمال ،هذا المكون الذى يسعى دوما لسبر عمق الأصالة فى الشخوص والأماكن ولايكتفى بالظواهر أويقف عند حدود الأشكال وإنما يغوص بعيدا فى الأعماق باحثا عن الجوهر والمضمون ....وأظن أن هذا هو ما جذب "الزقازيقاب" إلى الزقازيق مدينتهم المحبوبة التى أصبحوا جميعا يفتخرون بالأنتماء إليها وإلى أهلها. ن

وربما يكون ما جذبهم إلى الزقازيق وحببهم فيها تاريخها العريق ونضال أبنائها وعلى رأسهم الزعيم أحمد عرابى من أجل الحرية والكرامة ،وربما كان ذلك بسبب كرم أهل الشرقية المشهور الذى صار مضربا للأمثال فى مصر كلها ،وربما كان ذلك بسبب بساطة أهلها وطيبتهم المعروفة وحياتهم غير المعقدة أو المتكلفة . ن

وهناك عامل إضافى تمثل فى شخصية الدكتور محمد طلبة عويضة الذى شغل موقع أول رئيس لجامعة الزقازيق وكان معروفا عنه حبه للسودان والسودانيين ،وكان ينظر نظرة خاصة للطلاب السودانيين وقد ساعد كثيرا منهم فى الدخول أو التحويل إلى كليات القمة أى المتميزة التى يرغبون فيها متخطيا اللوائح والقوانين فى بعض الأحيان إيمانا منه بقدرات وإمكانات الطلاب السودانيين الذين كان معظمهم عند حسن ظنه وحققوا نتائج طيبة فى كلياتهم وتفوقوابها ،ثم أصبح كثير منهم لآن فى مواقع متميزة داخل السودان وخارجه. ن

ورغم الوفاء والحنين الذى يحرك السودانيين تجاه الأماكن التى عاشوا فيها أو مروا عليها وتجاه الأشخاص الذين عاشروهم أو تعرفوا عليهم ،ورغم أن معظم السودانيين يكادون أن يكونوا أسرى لمايعرفون من أشخاص وأماكن ،فإن اشتروا من محل لابد أن يعودوا إليه وإن حلقوا عند حلاق لايعرفون غيره ،وإن أكلوا فى مطعم فضلوه بعد ذلك على سواه ،وإن تعرفوا على شخص لم ينسوه البتة ،وإن اتخذوا صديقا ظلوا أوفياء له أبدا ............غير أن هؤلاء "الزقازيقاب" قد فاقوا على مايبدو سائر إخوانهم فى السودان فى الوفاء والإخلاص،فالزقازيق قبلتهم ومحط أفئدتهم ولأهلها فى نفوسهم مكانة رفيعة وذكرياتها لاتمحى فى ذاكرتهم ولأصدقائهم السودانيين فى الزقازيق منزلة خاصة . ن

وقد التقيت مؤخرا بالأخ والصديق العزيز والمثقف الرائع السموأل أبو سن وقد استهل إجازته السنوية من عمله كمستشار قانونى بالإمارات بزيارة مصر قبل أن يتوجه إلى السودان ،وفى مصرتوجه صوب الزقازيق متلهفا لزيارتها لاتعادلها فى نفسه مدينة أخرى شأنه فى ذلك شأن باقى أفراد قبيلته "الزقازيقاب"،وقد ذهب إليها يحمل كاميرته يلتقط الصور لميدان عرابى وميدان المحطة ومدخل جامعة الزقازيق ،كما يفعل فى كل زيارة محاولا أن يرصد بكاميرته التغييرات التى تطرأ على مدينته الحبيبة ،وقد جلس يحدثنى عن شوارع الزقازيق ..عن منشية أباظة وشارع القومية وشارع الشهيد أحمد اسماعيل وشارع الجلاء وشارع فاروق والمطبعة .....وكأنه يحدثنى عن الشانزلزيه أوداوننج ستريت ،ويحدثنى عن الفول والطعمية بالزقازيق وعن عسلها الأسود وجبنتها القريش وكأنه يحدثنى عن الكافيار والسيمون فيميه ،ويحدثنى عن جيران طيبين وأناس كرماء وأشخاص ظرفاء ...عن البقال وساعى البريد والفراشين والأساتذة والزملاء والجيران. ن

ويكلمنى عن العمل السياسى للطلاب آنذاك ودستور 78الذى كان يعمل بموجبه اتحاد طلاب الزقازيق خلافا لدستور 81 الذى كان ينظم باقى عمل اتحادات الطلاب السودانيين بباقى أنحاء جامعات مصر ،ويحدثنى عن الجمعيات الأدبية والفنية والنشاطات الرياضيةوالمبدعين من رفاقه وإخوانه من سودانيى الزقازيق ممن عاصروه أ وسبقوه أولحقوا به ،الذين تفرقوا بعد تخرجهم فى أنحاء السودان والشتات ،ويذكر الزيجات الناجحة التى جمعت بين زملائه وزميلاته السودانيين من طلبة الزقازيق . ن

وتجربة السودانيين فى الزقازيق تستحق الوقوف عندها والتمعن فيها والاستفادة منها ،وأول ما يمكن ملاحظته فى تلك التجربة الفريدة الرائعة هو هذا التعايش وهذا الانصهار الذى تم بين السودانيين بمختلف ألوان طيفهم الفكرى والسياسى والإثنى والجهوى حينما التقوا فى أجواء طبيعية محايدة ،فالسودانيون على اختلاف انتماءاتهم غالبا ما يعيدون فى مدن بعيدة عن أوطانهم اكتشاف ذواتهم ودواخلهم ومزاياهم والإمكانات الواسعة لديهم للعيش والتعايش والتعاون معا. ن

وكما تصهر الحرارة المعادن وتستخلص منها الشوائب فعلت ذلك النوائب وأوقات العسر والضيق الناجمة عن تأخير أوقلة التحويلات المالية آنذاك ب"الزقازيقاب" فكشفت عن مكامن الخير فى نفوسهم وجعلتهم يتكاتفون معا وإن قل المال أوشح الطعام فى مواقف أصبحت الآن اجمل ما يحملون من ذخيرة فى حياتهم. ن

وقد لاحظت أن لغة حديث السودانيين خريجى الزقازيق عن مصر أوالعلاقة بين مصر والسودان مختلفة عن سواهم سواء من المصريين أو السودانيين ،فهم لايتحدثون عن مصر كشىء آخر منفصل ومعرفتهم بها عميقة واقعية وهم لايتكلمون عن كيف يمكن أن نقيم علاقات أفضل بين البلدين لأنهم على مايبدو قد أصبحوا هم هذه العلاقات التى نتحدث عنها،وعندما أمعن النظر فى طريقة كلامهم عن مصر وأقارنها بغيرهم من المصريين حينما يتحدثون عن السودان أوالسودانيين عندما يتحدثون عن مصر.. أرى سواهم مقارنة بهم كمن يتحدث نظريا عن كيف يمكن أن نتعلم السباحة ،أماهم فقد انزلقوا سريعا فى البحر وكانت هذه هى طريقتهم المثلى فى تعلم السباحة ،وقد كان هذا هو حالهم فى الزقازيق عندما اندمجوا مع أهلها وصاروا جزءا منهم ،وهذا هو بالقطع حال شعبينا حينما يلتقيان لقاء حرا مباشرا بعيدا عن تنظيرات المثقفين أوتعقيدات السياسيين . ن

ويبقى أن هذه المشاعر الرقيقة المتدفقة والعواطف الطيبة الجياشة التى تكسو هذه العلاقة الانسانية المدهشة التى تتحدى الزمان والمكان هى التى تمنح الأيام دفئها وتعطى الأشياء معناها وتمنح النفس الانسانية شيئا من السكينة والطمأنينة فى خضم الحياة المتلاطم. ن

رجوع
 

The primary material of the website is authored by Ibrahim Omer © 2008.